المؤلفات

الاجتهادات

القوانين

Wikipedia

نتائج البحث

أحدث المواضيع

أهم مستجدات مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة

نوفمبر 20, 2018 اضف تعليق


صادق مجلس الحكومة، الذي انعقد اليوم الخميس 18 فبراير 2016، برئاسة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، على مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، تقدم به وزير العدل والحريات مصطفى الرميد.
وأورد بلاغ لمجلس الحكومة، توصلت جريدة “كشك” الإلكترونية بنسخة منه، أن مشروع القانون يهدف “إلى مراجعة التنظيم القضائي وفق أسس جديدة، لتلافي صعوبات الوضعية الحالية، وتوفير متطلبات النجاعة القضائية على مستوى مختلف درجات التقاضي وأنواع الهيئات القضائية، بما يمكن من توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية”.
ويحدد المشروع حسب ذات المصدر، مكونات التنظيم القضائي والقواعد المتعلقة بتنظيم المحاكم، وبيان درجاتها وأصنافها واختصاصاتها وطرق عملها وتدبيرها الإداري، وكذا حقوق المتقاضين والمبادئ العامة لسير العدالة.
ومن حيث الشكل، تلخص أهم مستجدات هذا المشروع، في صيغته النهائية، في الأخذ بمشروع نص حديث لقانون التنظيم القضائي، يمكنه استيعاب التوجهات الجديدة لهذا التنظيم، بدل تعديل بعض مقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة رقم 338-74-1 بتاريخ 15 يوليوز 1974 كما جرى تعديله أو تغييره أو تتميمه، إضافة إلى دمج الأحكام المتعلقة بتنظيم قضاء القرب، والمحاكم الابتدائية والإدارية، ومحاكم الاستئناف الإدارية، والمحاكم الابتدائية التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية وكذلك الأحكام المنظمة لمحكمة النقض في صلب مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، بدل الإبقاء على تلك الأحكام متفرقة في نصوص خاصة.
كما عمل المشروع على تفصيل المقتضيات بوضوح أكبر على مستوى كل مكون من مكونات التنظيم القضائي، وكذا توصيف مجمل المهام بالمحاكم وبين والقائمين عليها أومن لهم علاقة بها.
أما من حيث الموضوع، فقد تم إقرار العديد من المستجدات على عدة مستويات، من أهمها ارتكاز مقومات التنظيم القضائي على مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعلى إشراف وزارة العدل على التسيير الإداري للمحاكم، وعلى إشراك المهن القضائية في لجان البحث ودراسة صعوبات سير العمل بالمحاكم ووضع الحلول المناسبة لها. كما تم النص على قيام التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء قمته محكمة النقض، واشتغال مختلف مكونات التنظيم القضائي وفق مبدأ القضاء المتخصص، حيث يراعي تخصص القضاة عند تعيينهم في المحاكم والأقسام المتخصصة.
وينص المشروع كذلك على وجوب تحديد الخريطة القضائية “وفق مقاربة عقلانية تهدف إلى تحقيق القرب من المتقاضين وتسهيل الولوج إلى العدالة وفعالية الإدارة القضائية ومراعاة حجم القضايا وكذا المعطيات الجغرافية والديموغرافية والاجتماعية”.
وفي ما يخص حقوق المتقاضين عمل المشروع على تفصيل حقوق المتقاضين وما يرتبط بها بشأن ممارسة حق التقاضي والمساعدة القضائية والمساعدة القانونية والتعويض عن الخطأ القضائي، مع النص على تنفيذ الإجراءات وتطبيق المساطر أمام المحاكم بما يضمن المحاكمة العادلة في جميع مراحل التقاض واحترام حقوق الدفاع، وبما يحقق البث في القضايا وصدور الأحكام داخل أجل معقول. كما نص المشروع على تيسير الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية، وتمكين المتقاضين من تتبع مسار إجراءات قضاياهم عن بعد، في احترام تام للمعطيات الشخصية للأفراد وحمايتها والتواصل مع المتقاضين بلغة يفهمونها.
وفي مجال قواعد عمل الهيآت القضائية تم النص على اشتغال المحاكم بما يؤمن انتظام واستمرارية الخدمات القضائية وعقد الجلسات، مع اعتبار اللغة العربية هي لغة التقاضي والمرافعات أمام المحاكم وصياغة الأحكام مع مراعاة المقتضيات الدستورية المتعلقة بتفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية، مع التنصيص على وجوب تعليل الأحكام وأنه لا يسوغ النطق بها قبل تحريرها كاملة، بالإضافة إلى اعتماد المحاكم الإدارة الإلكترونية في الإجراءات والمساطر القضائية، مع التنصيص في المحضر على رأي القاضي المخالف والعودة إليه في حالة إثارة مسؤوليته على الخطأ القضائي .
وفي ما يتعلق بالتنظيم الداخلي للمحاكم تم توسيع دور الجمعية العامة للمحكمة ، كما جاء المشروع بعدد من المستجدات في إطار التسيير الإداري للمحاكم، منها النص على وحدة كتابة الضبط على صعيد المحكمة، وإحداث منصب الكاتب العام للمحكمة يتولى مهام تسييرها وتدبيرها إداريا مع إحداث آلية للتنسيق على صعيد المحكمة بشأن مجمل شؤونها.
بخصوص المستجدات على مستوى مكونات مختلف المحاكم، تم حذف غرف الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية، مع إمكانية إحداث بمرسوم، بعد استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أقسام متخصصة في القضاء التجاري والقضاء الإداري، مع توسيع القضاء الفردي في ميدان الأسرة لتشمل قضايا الطلاق الاتفاقي والنفقة وأجرة الحضانة وصلة الرحم والرجوع إلى بيت الزوجية وإعداد بيت للزوجية. كما تم توسيع مجالات القضاء الجماعي أمام المحاكم الابتدائية لتشمل القضايا الجنحية التأديبية.
ونص المشروع على اعتبار محكمة النقض هي قمة الهرم القضائي بالمملكة وهي التي تسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي.
وأوضح بلاغ الحكومة، أن المجلس وبعد مصادقته على مشروع التظيم القضائي الجديد، “هنأ وزير العدل والحريات على نجاح هذا المسار، وكذلك على مصادقة البرلمان على القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، واعتبر هذا المسار يؤسس لمرحلة جديدة في إصلاح منظومة العدالة”.

المصدر: جريدة كشك الالكترونية 

دخول قانون العمال المنزليين بالمغرب حيز التطبيق

أكتوبر 02, 2018 اضف تعليق



بعد مرور سنتين على نشره في الجريدة الرسمية[1]، يدخل القانون رقم 19.12، المتعلق بتحديد شروط شغل وتشغيل العمال والعاملات المنزليين، حيز التنفيذ بشكل رسمي، في الثاني من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

وقد أكدت وزارة الشغل والإدماج المهني في بلاغ لها عمم على كافة وسائل الإعلام الوطنية أنه "طبقا لمقتضيات المادة 27 من القانون 19.12، فإن حيز دخول هذا القانون هو سنة بعد نشر المرسومين الخاصين به في الجريدة الرسمية". ويتعلق الأمر بالمرسوم رقم 2.17.355 بتحديد نموذج عقد العمل الخاص بالعاملة أو العامل المنزلي، والمرسوم رقم 2.17.356 بتتميم لائحة الأشغال التي يمنع فيها تشغيل العاملات والعمال المنزليين المتراوحة أعمارهم مابين 16 و18 سنة.

وأضافت الوزارة أن مصالحها عاكفة على تهيئة كافة الشروط لتفعيل القانون المذكور والتغلب على الصعوبات المرتبطة بتنزيل مقتضياته، وذلك بتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية، لا سيما وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، وقطاع العدل وقطاع الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية.

ورغم تعدد المتدخلين، يواجه تطبيق التشريع الجديد تحديات قانونية من بينها نطاق وحدود تمكين مفتشي الشغل من التحري في وضعية العمال المنزليين، باعتبارهم فئة معرضة للإتجار بالبشر، فضلا عن اشكاليات أخرى تتعلق بتشغيل الأطفال خاصة وأن القانون الجديد وضع مرحلة انتقالية سمح بمقتضاها بصفة استثنائية باعتماد سن 16 سنة كحد أدنى لتشغيل العمال المنزليين لمدة خمس سنوات، على أن يتم رفع السن إلى 18 سنة بعد انصرام هذه الفترة الانتقالية وهو ما خلق جدلا واسعا أثناء مناقشة هذا القانون تحت قبة البرلمان.
________________

[1]- ظهير رقم 1.16.121 بتاريخ 2016/08/10 بتنفيذ القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين.

الجهوية المتقدمة بين حكامة ميثاق اللاتمركز الإداري ونجاعة مراكز الاستثمار الجهوية

سبتمبر 23, 2018 1 تعليق



الأستاذ:الزكراوي محمد

ذ/ باحث قي الشؤون القانونية والإدارية

إطار متصرف وزارة الداخلية

"الجهوية المتقدمة بين حكامة ميثاق اللاتمركز الإداري ونجاعة مراكز الاستثمار الجهوية"

المبحث الأول: الجهوية المتقدمة قي أفق تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري

المبحث الثاني: ميثاق الاستثمار رافعة  لورش الجهوية المتقدمة

المبحث الثالث:الجهوية المتقدمة سمة الوصل بين ميثاق اللاتمركز الإداري وميثاق الاستثمار




تقديم:
إن مقاربة موضوع االجهوية المتقدمة،وصلتها بحكامة ميثاق اللاتمركز الإداري،وعلاقتها بمراكز الاستثمار الجهوية،ليس بالأمر الهين،فالمستجدات التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة و على نطاق واسع في شتى المجالات،وما واكبها من متغيرات مرتبطة أساسا بتطور بنيات الدول وتداخل الصلاحيات، واشتداد الحاجة إلى التنمية المحلية بوصفها رافعة للتنمية على المستوى الوطني، يجعل من فكرة مقاربة الموضوع،انطلاقا من تحديد سمة الوصل بينها وبين مراكز الاستثمار من جهة، وميثاق اللاتمركز الإداري من جهة أخرى، يتطلب مواكبة المستجدات الدستورية والقانونية إلى جانب من الإلمام و مسايرة واقع الممارسة العملية،حتى يمكننا استجلاء مكامن الوصل بينهما و نقاط الفصل في تحديد الإشكاليات المطروحة على ارض الواقع، فضامنا لقدر من التوازن بين الجهات، وتفاديا لبروز مناطق مزدهرة جدا ومنتجة مقابل مناطق مهمشة، برزت الحاجة إلى تطوير الجهوية من خلال مجالات حيوية كالتنمية الاقتصادية، والتخطيط والاستثمار الأجنبي، وذلك لن يتأتى إلا من خلال إيجاد آليات قانونية و مؤسسات قادرة على مسايرة ركب وأهداف ورش الجهوية المتقدمة،ومن هنا برزت فكرة إعداد ميثاق اللاتمركز الإداري كآلية للتنزيل الصحيح لورش الجهوية من جهة،ومن جهة أخرى ظهور مؤسسات المراكز الجهوية للاستثمار من خلال تاطيرها هي الأخرى بميثاق للاستثمار، على اعتبار أن النهوض بالتنمية الاقتصادية، وتشجيع الاستثمار في الرأسمال البشري، وتقوية التضامن بين الجماعات الترابية واعتماد الابتكار لتدبير التنوع في أوساطها، والتحكم في مستقبل النمو الحضري بها،تشكل كلها انشغالات آنية تفرض نفسها بحدة،في وقت يشهد فيه العالم تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة ومتواترة، تجسد الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية أحد أهم تجلياتها،مما يقتضي تضافر جهود الحكومات المركزية والحكومات الجهوية والمحلية من أجل العمل على تجاوز الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة.
وفي هذا الإطار،بادرنا في المغرب إلى تبني إصلاحات جوهرية، في مقدمتها دسترة الجهوية المتقدمة، التي تهدف إلى إقرار تنظيم ترابي متكامل، يؤسس لمرحلة جديدة في مسار تقوية الديمقراطية المحلية، وترسيخ مكانة الجماعات الترابية كشريك أساسي،بجانب الدولة والقطاع الخاص، في تدبير قضايا التنمية. لذلك كانت أهمية الانخراط القوي في تدعيم خارطة طريق متكاملة يتداخل فيها البعد التنموي القائم على تحفيز الاستثمار وتبسيط المساطر وجعل النسيج الإنتاجي الوطني يحقق المردودية الموفرة للشغل و المنتجة للثروة و البعد المؤسساتي و القانوني عبر إخراج ميثاق اللاتمركز الإداري و ميثاق الاستثمار إلى حيز الوجود، و تفعيل الإصلاح المتعلق بالمراكز الجهوية للاستثمار وتسهيل مسطرة البت في الملفات الاستثمارية،والبعد المرتبط بعلاقة المواطن بالإدارة صونا لحقوقه و حماية له من التعسف وتفعيلا لمبدأ ربط ممارسة المسؤولية العمومية بالمحاسبة.
فلاشك أن المغرب قطع أشواطا جد مهمة في تمديد نطاق النسق اللامركزي الترابي مند بداية الستينات، توج في نهاية الأمر وبتوافق جميع الأطياف السياسية على الحرص و تثبيت دعائمه بنظام الجهوية الواسعة واللاتمركز الإداري،هذا النظام الذي يهدف أساسا إلى نقل مسؤولية تنفيذ السياسة الحكومية العامة، على الصعيدين المحلي واالجهوي،إلى الولاة والعمال، بصفتهم ممثلين للدولة على المستوى الترابي،والتأكد من الإنجاز الفعلي لبرامج الحكومة من طرف المصالح اللاممركزة،والنهوض بدور المحاور المؤهل،لدعم المجهود الذي يقوم به المنتخبون،والفاعلون الاقتصاديون المحليون،ومهما يكن تقدمنا في مجال ترسيخ النظام اللامركزي، فإنه سيظل ناقصا،ما لم يدعم يتم تطعيم نظام الجهات، بتدابير النسق الإداري غير المتمركز للشأن المحلي، وإصلاح منظومة مراكز الاستثمار الجهوية، وفي هذا الصدد،تعمل الحكومة وفي الآجال القريبة، إلى إعداد تصور استراتيجي وشامل،لمنظومة إدارة لا ممركزة وفعالة،تعتمد المقاربة الترابية.وذلك بنقل السلط المركزية،التي من الأجدى أن تمارسها الإدارة المحلية،وفق مخطط مضبوط في مكوناته وأفقه الزمني، تأخذ بعين الاعتبار تصور شامل لمنظومة الاستثمارات بشكل يتجانس و أفاق توسيع صلاحيات الجهات في جعلها محور لاستقطاب المشاريع التنموية الاستثمارية،فمقاربتنا الجهوية، لتدبير الشأن المحلي،نابعة من إيماننا الراسخ،بأن كل جهة من جهات المملكة، تزخر بإمكانات طبيعية وحضارية هامة،وبفعاليات ونخب مؤهلة، قادرة على التدبير الناجع لشؤونها،وفق قواعد الحكامة العصرية.
وعليه، سنحاول من خلال تحليلنا لموضوع االجهوية المتقدمة، وصلتها بحكامة ميثاق اللاتمركز الإداري، وعلاقتها بمراكز الاستثمار الجهوية، التطرق إلى إبراز تصور الجهوية المتقدمة في افق تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري،ودور ميثاق ومراكز الاستثمار في تجويد صلاحيات ورش الجهوية المتقدمة،وفي الأخير الغوص في تحديد سمات الوصل بين ميثاق اللاتمركز الإداري وعلاقته بميثاق و مراكز الجهوية للاستثمار.
كانت تلكم أهم المحاور الأساسية المعتمدة في نقاشنا لهذا الموضوع ،والذي سوف نعالجه من خلال ثلاث مباحث أساسية وفق التصميم التالي.

المبحث الأول: الجهوية المتقدمة قي أفق تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري
مما لا جدال فيه،أن المشرع المغربي بوأ الجهة،و تحت إشراف رؤساء مجلسها،مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى،في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية،والتصاميم الجهوية لإعداد التراب،وذلك في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية،ولاشك أن الهدف من دسترتها و توسيع نطاق صلاحياتها، إنما هو انعكاس للمكانة و الصدارة التي منحها الدستور بغية الارتقاء بها و جعلها محور ترابي مهم في تحقيق التنمية الشاملة و المندمجة، ولأجل ذلك وحفاظا على صون أهدافها المسطرة،واكبها المشرع بمؤسسات طالما لعبت دور الوسيط و حلقة الوصل بين المؤسسات الجهوية و الإدارات المركزية،- تلكم المؤسسات تجلت في تمثيلية كل من ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات،للسلطة المركزية في الجماعات الترابية-،وحرصهم على تأمين تطبيق القانون،وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها،كما يمارسون المراقبة الإدارية،يساعدهم في ذلك رؤساء الجماعات الترابية،وخاصة رؤساء المجالس الجهوية،في تنفيذ المخططات والبرامج التنموية،ولبلوغ أهداف الانسجام بين المصالح الممركزة و نظيرتها اللاممركزة،يقوم الولاة والعمال،تحت سلطة الوزراء المعنيين،بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية،ويسهرون على حسن سيرها،وبذلك يكون المشرع المغربي قد حدد آليات العمل ألتشاركي بين كل من ممثل الدولة على الصعيد المركزي من جهة و من جهة أخرى ممثلي الجماعات الترابية بشكل يضمن استقرار المؤسسات في إطار من التعاون و المساعدة بين المركز و المحيط،إلا انه ومع كل المجهودات المتواصلة و المبذولة من طرف الدولة في إرساء دعائم قوية للعمل المؤسساتي للجهات،و مهما بلغ نموذجنا التنموي من تطور،فإنه يتعين على الجميع، خاصة في سياق الأزمة العالمية،مضاعفة التعبئة واليقظة،والاستباق والمبادرة،للارتقاء بالمغرب إلى المكانة الجديرة به،في مصاف الدول المتقدمة،وهو ما يجعلنا أكثر عزما على تمكين بلادنا من مقومات تنموية ومؤسسية جديدة; كفيلة بتحقيق نقلة حاسمة،نحو الانخراط الإيجابي في العولمة،وفي المسار الجديد للتنمية البيئية الخضراء،وكسب رهانات الحكامة الجيدة، وتوسيع الطبقة الوسطى.( مقتطف من نص الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد 31/07/2010)
إن ترسيخ مكانة الجهوية،وضمان وإشعاعها الجهوي والدولي،يقتضي تعميق التكامل بين السياستين الداخلية والخارجية،ومواصلة انتهاج دبلوماسية فعالة،لتمتين انفتاح بلادنا على محيطها،خدمة لمصالحها العليا،وفي رأينا المتواضع،ذلك لن يتأتى إلا بتوطيد الحكامة الجيدة،وتطعيم المؤسسة الجهوية بإصلاحات تنموية ومؤسسية وسياسية،وفي صدارتها مراكز الاستثمار الجهوية،وبميثاق إداري للتدبير اللاممركز،على اعتبار أن مواكبة المؤسسات الجهوية لا يعتبر فقط نمطا جديدا للحكامة الترابية،وإنما هو في العمق،إصلاح وتحديث لهياكل الدولة(.مقتطف من نص الخطاب الملكي لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة للبرلمان. 14/10/2011 )
وفي هذا الصدد، يعد إرساء الجهوية المتقدمة من الأوراش الإستراتيجية،لمغرب الحاضر والمستقبل،لما تتيحه مع اللاتمركز الإداري،من حكامة ترابية جيدة،وقرب من المواطن، ومن إمكانات وآفاق واعدة،لتحقيق تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية،متوازنة ومتضامنة ومستدام،.وترسيخا للحكامة الترابية،يعكف المشرع المغربي على توطيد نمط اللاتمركز والجهوية،مع وجوب تفعيل نظام اللا تمركز الواسع والملموس،في إطار أقطاب محددة، تفوض لها السلطات المركزية،الصلاحيات والموارد اللازمة،من خلال مقـاربة جهوية مندمجة عن طريق إخراج ميثاق اللاتمركز الإداري،و الذي سيشكل لا محالة دعامة أساسية للجهوية المتقدمة،ناهيك عن إصدار ميثاق الاستثمار مع تحميل المسؤولية للإدارات العمومية في التنسيق ألمعلوماتي فيما بينها للحصول على الوثائق الإدارية عكس إنهاك كاهل المواطن بجلب مجموعة من الوثائق،
إن تفعيل مرامي ميثاق اللاتمركز الإداري و ربطه بمتطلبات الجهوية المتقدمة،سوف يؤدي إلى عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين البنايات و المستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة،حيث بموجبه سوف يتم نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى الإدارات البعيدة عنها جغرافيا،للقيام بمهام معينة عهدت إليهم،و تخويل المصالح الجهوية و الإقليمية صلاحيات اتخاذ القرار وفق آليات تفويض السلطة او الإمضاء،مما سينجم عنه تخفيف عبئ الإدارات المركزية،و إتاحة سرعة اتخاذ الفرارات على المستوى المحلي عن طريق سهولة التنسيق بين الإدارات،وهذا سيكون نتيجته ارتباط متناغم لورشي الجهوية المتقدمة و اللاتمركز الإداري،تحت رقابة فعالة و في إطار الآليات القانونية لحكامة ترابية تخول للولاة و العمال الصلاحيات اللازمة للسهر على المسايرة و المواكبة الفعلية و المتناسقة.
إن الهدف من ميثاق اللاتمركز الإداري يتجلى في دعم الديمقراطية المحلية و تطوير الخدمات الإدارية و ملاءمتها و الاتتظارات المحلية،إلى جانب فعالية الإدارة اللاممركزة،هذا وتهتم محاور إصلاح الإدارة اللاممركزة إلى إبراز صدارة المستوى الجهوي في تمثيل الإدارة المركزية وإعداد السياسات العمومية،و تحديد المبادئ و توجهات اللاتمركز الإداري بالإضافة إلى ترشيد و عقلنة تنظيم المصالح اللاممركزة،مع الارتقاء بالتدابير المالية اللاممركزة والتنسيق بين أنشطة المصالح الإدارية فيما بينها.
ولأجل بلوغ تلك الغايات،نرى من جانبنا ضرورة تنظيم الهياكل الإدارية و الاهتمام بمجال تدبير الموارد البشرية و إعادة النظر في آليات التفويض ،و ضرورة التركز على مجال التدبير المالي و ألمحاسباتي وأهمية التنسيق بين عمل الدولة على المستوى الجهوي،حتى نكون قد الممنا بمعالجة و تنزيل ورش الجهوية و صلته بتدابير ميثاق اللاتمركز الإداري من مختلف جوانبه القانونية و العملية (مقتطف من أعمال مجلس النواب بتاريخ 28 نونبر 2018 حول دراسة متعلقة باللاتمركز الإداري رافعة لورش الجهوية المتقدمة)
المبحث الثاني: إصلاح ميثاق ومراكز الاستثمار رافعة لورش الجهوية المتقدمة
إن الركود الاقتصادي الذي يعيشه العالم منذ 2008،وما نتج عنه من تغيرات على صعيد العلاقات الدولية٬في إطار العولمة٬وكذا التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المحيط الإقليمي٬يحثنا على مواصلة الإصلاحات٬ويعزز اقتناعنا بصواب الخيارات السوسيو اقتصادية٬التي أخذنا بها منذ أمد بعيد،حيث مكنتنا من إطلاق أوراش كبرى٬كفيلة بدعم البنيات التحتية٬والتجهيزات الأساسية التي تتطلبها بلادنا٬وذلك في إطار الاستراتيجيات القطاعية٬التي تمت بلورتها وفق معايير ناجعة لبلوغ الأهداف المتوخاة،وفي هذا الصدد انصبت الإرادة السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله على النهوض بمختلف المجالات الصناعية٬والتكنولوجيات الحديثة٬من خلال تهيئة أقطاب وفضاءات اقتصادية مندمجة٬كفيلة بتوسيع آفاق الاستثمار٬وتحسين القدرات التنافسية لمقاولاتنا.
ولا شك أن صدور القانون الإطار رقم 18-95 بمثابة ميثاق الاستثمار،لخير معبر عن تلك الإرادة المولوية الشريفة في تبني نهج الإصلاح بشكل عام،وبشكل خاص ترقية وضعية الاستثمارات،ومعالجة ما شابها من التباس وغموض،كان له تأثير ملموس على ترجمة النماذج التنموية على ارض الواقع،لذلك جاء قانون الإطار المشار إليه أعلاه لتنزيل مضامينه على النحو السديد بهدف تطبيق التدابير المنصوص عليها في الميثاق إلى التحفيز على الاستثمار عن طريق:
– تخفيض العبء الضريبي المتعلق بعمليات شراء المعدات و الآلات و السلع التجهيزية و الأراضي اللازمة لإنجاز الاستثمار؛
– تخفيض نسب الضريبة المفروضة على الدخول و الأرباح؛
– سن نظام ضريبي تفضيلي لفائدة التنمية الجهوية؛
– تعزيز الضمانات الممنوحة للمستثمرين بتسيير طرق الطعن فيما يتعلق بالنظام الضريبي الوطني و المحلي؛
– إنعاش المناطق المالية الحرة OFFshore)) و مناطق التصدير الحرة و نظام المستودعات الصناعية الحرة؛
– تحقيق توزيع أفضل للعبء الضريبي و تطبيق أحسن للقواعد المتعلقة بالمنافسة الحرة و خاصة عن طريق مراجعة نطاق تطبيق الإعفاء من الضريبة.
كما ترمي هذه التدابير إلى تشجيع التصدير و إنعاش التشغيل،و تخفيض كلفة الاستثمار،مع ترشيد استهلاك الطاقة و الماء،إلى جانب المحافظة على البيئة.
وبموجب الرسالة الملكية الموجهة إلى السيد الوزير الأول حول التدبير اللامتمركز للاستثمارات،تم إحداث المراكز الجهوية للاستثمار منذ 2002،حيث تعد هذه المراكز من بين الوسائل التي اعتمدتها السلطات العمومية من أجل تشجيع الاستثمار على الصعيدين الوطني والجهوي،إذ أن أدوارها لم تقتصر في القيام بمهام “الشباك الوحيد” بل تعدته إلى أدوار أخرى كتسهيل المعلومات ووضعها رهن إشارة الفاعلين الاقتصاديين،والمساهمة في التعريف بالإمكانات الاقتصادية للجهات التي تتمركز فيها.
إن السياق المشجع الذي جعل بلدنا يندرج ضمن الاقتصاديات الناهضة لم يكن وليد الصدفة. لقد عرفت بلادنا في الآونة الأخيرة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والضريبية والقانونية من اجل حفز الاقتصاد و تشجيع الاستثمار،فإذا كان من بين نتائج تلك المجهودات و الإصلاحات أن أبانت على قوة نوعية لاقتصادنا و إمكانيته على الالتئام مع التطورات العالمية،فان النتائج المحققة لا ترقى إلى المرغوب فيه،فلا يزال الاستثمار الخاص الذي هو حجر الزاوية للإقلاع الاقتصادي مترددا تغلب عليه الانتظارية والخوف من المجازفة وقلة الابتكار،فالإرادة السامية لجلالته تعيي كل الوعي آن هناك جملة من المعوقات البنيوية كالتضارب في مراكز القرار والهوة بين روح القوانين و منطوقها،مما ينعكس سلبا على تطبيقها و البطء في الإنجاز دون وجود ضوابط قانونية ضد هذه الممارسات،ولتذليل كل الصعاب ولمنح الفرصة للقطاع الخاص الوطني والأجنبي للاستثمار خاصة بالنسبة للمقاولات المتوسطة والصغيرة التي نعلق الأمل عليها في إيجاد مناصب شغل لمختلف مستويات الكفاءة والتأهيل تم إنشاء لجنة خبراء تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك تطبعها قواعد العقلانية،وتهدف إلى معرفة مواقع الخلل واقتراح الوسائل الكفيلة بتبسيط الإجراءات وإزالة كل الحواجز التي تعوق التجاوب بين المستثمر والإدارة تفاديا لإزعاج المعنيين ونزع الثقة منهم الشيء الذي يجعلهم يترددون فيما يودون القيام به وربما يتخلون عنه.
ومواكبة لدور مراكز الاستثمار باعتبارها رافعة لورش الجهوية المتقدمة،وفي طار تنزيل مشروع إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار الذي قدمه رئيس الحكومة بين يدي صاحب الجلالة الملك محمد السادس،نصره الله،وكذا استمرارية لتطبيق مضامين الرسالة الملكية السامية لـ 9 يناير 2002 بشأن التدبير اللامتمركز للاستثمار،والتي تعتبر إطارا مرجعيا لعمل هذه المراكز،ويهدف إلى جعل المراكز الجهوية فاعلا متميزا في تنشيط وتسهيل الاستثمار ومواكبة النسيج المقاولاتي،إضافة إلى منحها أدوارا طلائعية لإنعاش الاستثمار على المستوى الجهوي،حيث يرتكز هذا الإصلاح على ثلاثة محاور أساسية.
ويهم المحور الأول: إعادة هيكلة المراكز الجهوية للاستثمار،حيث سيتم اعتماد هيكلة تنظيمية حديثة ومتطورة عبر إحداث قطبين أساسيين وهما قطب “دار المستثمر” وقطب “تحفيز الاستثمار والعرض الترابي،كما سيتم العمل على تعزيز هذه الموارد البشرية وتأهيلها من خلال اختيار أفضل الكفاءات والخبرات في مجال تدبير الملفات الاستثمارية، لا سيما بالنسبة لمديري هذه المراكز.
أما المحور الثاني: فيتعلق بإحداث اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار من خلال اقتراح دمج كافة اللجان الجهوية السابقة المرتبطة بالاستثمار في لجنة جهوية موحدة،بهدف تحسين وملاءمة مساطر اتخاذ القرار،وتعقد اللجنة اجتماعاتها على الأقل مرة في الأسبوع وتعتبر القرارات المتخذة على مستوى هذه اللجنة ملزمة لكافة أعضائها؛ ويجب أن تكون قراراتها معللة،ويمكن الطعن فيها أمام اللجنة التي يرأسها رئيس الحكومة،أو التظلم الاستعطافي أمام والي الجهة.
ويتعلق المحور الثالث: بتبسيط ورقمنة المساطر والإجراءات المرتبطة بملفات الاستثمار على المستويين الجهوي والمركزي من خلال تبنى اللاتمركز الإداري جهويا،أما على المستوى المركزي،فإنه سيتم اعتماد مقاربات وقوانين محفزة حديثة،أثبتت نجاعتها على المستوى الدولي،وتهم التبسيط الشامل والممنهج للمساطر الإدارية،ومكافحة التعسفات باعتماد قانون إلزامية التنفيذ وتقنين آجال منح الرخص.
ولترسيخ هذا الإطار المشجع للفاعلين الاقتصاديين،على مستوى كافة التراب الوطني بشكل عام،وبشكل خاص على مستوى الجهات للرفع من مرد وديتها الاستثمارية،تحرص الإرادة الشريفة لجلالته،كذلك على ترسيخ دولة الحق و القانون في الميدان الاقتصادي وعلى إصلاح للقضاء،والرفع من عدد المحاكم التجارية وعلى وضع القوانين المالية الملائمة،على النهوض بالميدان الاقتصادي والاجتماعي يحتاج إضافة إلى ما سبق إلى مقومات تدعمه وفي طليعتها التقريب بين مختلف الفاعلين فيه وبين ممثلي السكان بالمشاركة في المناقشة،و إبداء الرأي لتحديد الاختيارات المحلية المناسبة،مما سيشجع على تعميق فضيلة التشاور والحوار بصراحة و وضوح وبما ينمي لدى الجميع الشخصية الموقرة التي تحظى بالتقدير في إطار من احترام حرية العمل و الحقوق النقابية والعناية بالنشاط الاجتماعي وإتاحة فرص المساهمة والاندماج للمواطنين كافة بدون أي اعتبار أو تمييز وبما يوفر لهم ظروف الحياة السعيدة وييسر لهم وسائل الراحة والرفاه.( مقتطف من الخطاب الملكي السامي)
إن دور المراكز الجهوية للاستثمار في تفعيل مرتكزات الجهوية المتقدمة،يقتضي تقويم السياسات المتبعة بكل آلياتها ومجالاتها،في التزام بمقومات الإنصاف والعقلنة والفعالية،وانتهاج الاجتهاد في ابتكار الحلول الخلاقة،بكل مسؤولية وإقدام،بعيدا عن أي نزوعات سياسوية،أو توظيف شعبوي،ولأجل ذلك،أكد جلالته على ضرورة تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي،كإطار مؤسسي للحوار،وكقوة اقتراحية لبلورة هذا الميثاق،بما يخدم تنمية بلادنا،ويمكنها من مواصلة مسارها الإصلاحي،ويجعلها قادرة على مواجهة الظرفيات الصعبة،والحفاظ على ثقة شركائنا،وتعزيز جاذبية المغرب للاستثمارات والكفاءات( نص الخطاب الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة عيد العرش ب30/07/2009)
وإدراكا من المشرع لأهمية مراكز الاستثمار في مواكبة إصلاح و استكمال ورش الجهوية المتقدمة،تم إحداث الهيأة المغربية للاستثمارو،التي تضم صناديق الاستثمارات القطاعية الوطنية،هذه الهيأة التي تتوخى تعزيز الاستثمار في مختلف المجالات المنتجة٬وتحفيز الشراكات مع المؤسسات الدولية،غايتنا تمكين بلادنا من فرص التمويل٬التي تتيحها الصناديق السيادية الخارجية٬وبصفة خاصة صناديق دول الخليج الشقيقة٬التي نشيد بإسهامها الفعال في دعم المشاريع التنموية ببلادنا.
المبحث الثالث: الجهوية المتقدمة سمة الوصل بين ميثاق اللاتمركز الإداري وميثاق الاستثمار
شكلت الجهوية المتقدمة التي كرسها الدستور الجديد٬ورشا كبيرا يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر٬ليكون تفعيلها كفيلا بإحداث تغيير جوهري وتدريجي،في تنظيم هياكل الدولة،وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية.ولكسب رهانات هذا المسار٬أصبح من المتعين فسح المجال لتجديد النخب٬والمشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب٬وفتح الآفاق أمام المواطنات والمواطنين المؤهلين٬المتحلين بروح المسؤولية والنزاهة،لأجل ذلك كان التفكير منصبا أساسا بشروع الحكومة في إصلاح الإدارة العمومية٬لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة،وهو ما يطرح مسألة اللاتمركز،. ومن هذا المنطلق٬فالحكومة مطالبة باعتماد ميثاق للاتمركز٬بما يمكن الإدارة من إعادة انتشار مرافقها٬ومساعدتها على التجاوب الأمثل مع حاجيات المصالح اللامتمركزة٬وجعلها تستشعر المسؤولية الحقيقية٬في وضع المشاريع وحسن تسييرها، وذلك بموازاة مع الانكباب على الورش الكبير للإصلاحات اللازمة لتفعيل التنظيم الترابي الجديد٬في إطار حكامة جيدة٬تضع التنمية البشرية في صلب اهتمامها،إذ لا سبيل إلى رفع التحديات التي تواجه هذه الحكامة إلا بتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة٬كفيلة بالتصدي للعجز الحاصل في المجال القروي٬والخصاص الذي يعيق النمو في الوسط الحضري(.الخطاب الملكي 12 أكتوبر 1999)ولربط سياق الجهوية المتقدمة باعتبارها سمة الوصل بين كل من ميثاق اللاتمركز الاداري و مراكز الاستثمار الجهوية كان لا بد من إعادة التفكير في تحديد موضع و مفهوم جديد للسلطة وما يرتبط بها،حيث أصبحت معه ماهية السلطة مرتبطة و مبنية على رعاية المصالح العمومية،والشؤون المحلية،وتدبير الشأن المحلي والمحا فضة على السلم الاجتماعي،وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين،ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم و ملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة،حيث أصبح لازما على الإدارة الترابية أن تركز اهتمامها على ميادين أضحت تحظى بالأهمية والأولوية مثل حماية البيئة والعمل الاجتماعي،وبان تسخر جميع الوسائل لإدماج الفئات المحرومة في المجتمع،وضمان كرامتها.
إن الجهة التي كرسها دستور 2011،تعتبر حلقة أساسية في دعم الديمقراطية المحلية ومجالا خصبا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفضاء فسيحا للتفكير والتخطيط في إطار واسع لمستقبل أفضل في تعاون وانسجام مع الوحدات الترابية الأخرى،باعتبارها أداة توحيد وعنصر التحام،على اعتبار إن اللامركزية لا يمكن أن تحقق الأهداف المتوخاة منها،إلا إذا واكبها مسلسل عدم التركيز الذي يقضي بنقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى مندوبيها المحليين،كل ذلك في إطار استحضار واع للتعليمات السامية لجلالة الملك نصره الله،الداعية إلى إحداث تغییر في قوانین اللامركزیة واللاتمركز وفق مفهوم جدید یجعل من السیاسة التعاقدیة أداة أساسیة لبلورة تصور مجالي توافقي لمواجهة جميع الإشكاليات المطروحة بقوة،من اجل ضمان التفعیل التام لدور الجهة كمؤسسة وإطارا في تحدید الاستراتيجيات الناجعة لأعداد التراب الوطني،ذلك أن نجاح أي مشروع للتنمیة الترابیة والاقتصادیة والاجتماعیة رھین بتبني البعد الجهوي،الذي یتوقف بدوره – لامركزیا – على تدعیم الإمكانیات الذاتیة للجهة – ولا تمركزیا – على توفرھا على مسؤولین جهوين أكفاء.
إن حلقة الوصل بين متطلبات الجهوية المتقدمة وميثاق التدبير الإداري اللاممركز في تحقيق مأرب التبسيط و التجانس والتعاون الخلاق بين جميع مكونات المؤسسات العامة و الخاصة،لا يقتصر امتداده فقط في ربطها بميثاق للاتمركز،بل إن تلك الحلقة يجب ربطها كذلك بأهداف ميثاق اللاتمركز للاستثمارات و تموقع مراكز الاستثمارات الجهوية داخل مخططات ورش الجهوية المتقدمة،على أساس أن حفز الاستثمار،لا يمكن أن يعطي ثماره كاملة،ما لم تصبح مراكز الاستثمار فاعلا رئيسيا في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة للبلاد، لذلك يتعين تمكينها من الوسائل القانونية والمالية الكفيلة بجعلها أكثر فاعلية في الاضطلاع بهذه المسؤولية،وحفاظا على تماسك هذا النسق،يجب إذكاء روح التعاون بين كل من مراكز الاستثمار الجهوية و السلطات المنتخبة بما فيها السلطات المحلية المختصة و التي تتصرف بصفتها ممثلة للدولة،من اجل تسلم في الآجال التي يحددها القانون أو النصوص التنظيمية الجاري بها العمل،التراخيص الضرورية لإنجاز الاستثمارات ولاسيما التراخيص المتعلقة بتجزئة الأراضي والبناء والسكن وشهادات المطابقة،كما أنه يتعين أن يثير الولاة انتباه عمال العمالات والأقاليم المعنيين حول ما قد يلاحظونه من امتناع أو تقصير من لدن السلطات المحلية في اتخاذ الإجراءات المقررة في القانون والنصوص التنظيمية داخل الآجال المحددة،ويأمرون العمال،عند الاقتضاء بممارسة سلطة الحلول.( مقتطف من نص خطاب صاحب الجلالة بمناسبة الإعلان عن الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللا متمركز للاستثمار 9 يناير 2002)
إن عمل الحكومة إلى بلوغ أهدافها في تصورها لاقتصاد منتج تنافسي ومجتمع حديث،تترسخ فيه ثقافة وممارسة التشاور والتعاقد،لن يكون له وقع فعال إلا بتحديد أهداف وبرامج ومخططات،وتوفير وسائل إنجازها المشترك.وهذا يتطلب جهدا متواصلا،لا يقف فقط عند حدود تنصيب مراكز جهوية للاستثمار بل يتعداه إلى تأهيل اقتصادنا لرفع التحديات،التي تمليها علينا التزاماتنا الدولية،سواء في إطار منظمة التجارة العالمية،أو من خلال اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي،أو في نطاق خلق سوق حرة عربية ومتوسطية،تعطي شحنة قوية لمعركة الإقلاع الاستثماري،وهو ما جسدته وفي كثير من المناسبات تطلعات التعليمات و الخطب و الرسائل الملكية السامية في هذا الصدد.
الخاتمة
إن تجليات تحصين مكاسبنا الديمقراطية،رهين بمواصلة مسارنا التنموي،وتوطيد الأمن والاستقرار وإدارة القرب،وفي هذا الصد،.نؤكد من جديد، توجه الإرادة السامية لجلالة الملك وتفكيره الراسخ،لإقامة جهوية متدرجة ومتطورة،جهوية متضامنة تشمل كل مناطق المملكة،على أساس تقسيم جديد وصلاحيات موسعة. ضمن مسار مغربي-مغربي،. والكل في نطاق السيادة والوحدة الوطنية والترابية،في إطار متكامل للتنزيل المرتقب لكل من ميثاق اللانمركز الإداري ومتطلبات التنمية الاقتصادية و النماذج التنموية في إطار أهداف ميثاق الاستثمار و متطلعات مؤسسات المراكز الجهوية للاستثمار.